الشيء يُعْرف بنقيضه، وهو ما يحيل إليه عنوان المجموعة القصصية
«في ظلال الموتى» للكاتب محمود جمعة الرحبي؛ فمقابل كل “ولادة”
يوجد “موت”، مما يؤكّد مقولة أن وظيفة النص الإبداعي هي الانتقال بالوعي
إلى نمط من العلاقات النقيضة. عبر هذه العلامة العائمة يجترح الكاتب الرحبي
أنساقاً جديدة في القصة القصيرة ويسعى إلى تثبيتها للوصول إلى المعنى الذي
يريد. فمع كل قصة يكشف الكاتب عن مقدرة على تطويع الأحداث وفق سيميائية
النص المروي ومن ثم الإحالة على جملة من المعاني والمشاعر الإنسانية
المضمرة في حيوات الشخصيات، وخاصة حينما أدخل بعضاً من شخصياته في
“تجربة الاقتراب من الموت”، كتجربة غامضة ومثيرة برهن من خلالها على
ديناميكية لافتة لهذا الجنس الأدبي. وهنا تطرح المجموعة السؤال الإشكالي:
هل مصير من مات هو العدم ولا شيء بعده، أم أن الروح مثل الطير يحوم حولنا
دون أن نشعر بما يجري؟. ولعل ما جاء على لسان إحدى الشخصيات القصصية:
“كما أن لنا ظلالاً تتبعنا فللموتى ظلال لا تفارقنا”، يسهم في إعادة التفكر حول
جدوى الحياة ومآلاتها.
من أجواء القصص نقرأ:
“عصفتني جائحة من الذعر والحيرة والمشاعر المتشابكة والمعاني الغريبة،
ثم فُتحت لي بوابة أخرى فرأيت أطفالاً، موضوعين على مكان ما كأنه منصَّة
للإعدام، حول أعناقهم حبال تشدُّهم فتشنقهم حتى الاختناق، كانوا يُعنَّفون من
قِبَل رجال على وجوههم الغضب، من شتَّى بقاع العالم، جميع الأطفال كانوا
يطالعونني ويستنجدونني ببراءة قاتلة لكنني ما استطعت بلوغهم. كنت أستغيث
بالكائن النوراني وأنا أبكي كي يخلّصهم، لقد كانوا يقاسون ألماً لا يحتمله البالغ
فكيف بطفل!! ثم انبعثت من بقعة ما كرات بلورية ضخمة، كانت مثل فقاعات
شفافة هائلة الحجم، كان الأطفال يبغون الولوج فيها فلا يقدرون، ثم اختفوا
جميعهم. أردت سؤاله عنهم لكنني مُنعت، فقال لي الكائن النوراني: إننا نعلم
أنك باحث جاد عن الحقيقة، لكنك في النهاية بشر، والبشر يبصرون أدنى من
عُشر عين فيحسبون أنهم يرون الصورة كاملة، ولبذرة الصدق التي وجدناها في
قلبك عفونا عنك، أوانك لم يأتِ بعد، إرجع إلى عالمك الأرضي ولنا لقاء آخر،
فدفعني بإشارة منه ألقتني في هوّة ثم هويت من مكان شاهق على ظهري
فرأيتني راقداً على السرير بالمستشفى وعادت الآلام تمخضني، يا إلهي
الرحيم، أين كنت؟؟”.
“عناوين القصص: “أب وكرسي وابن”، “فضول صغير.. آمال مشوهة”، “المبتور”،
“رسالة مطوية”، “تحت عباءة سوداء”، “الوافد الجديد”، “تراب وحجر حادّ”،
“مقصّ وجرْكنان”، “سكين وشريط”، وعناوين أخرى.
